هبة شركس تحذر من الاستخفاف بقدرة الأطفال على الإنصات
بواسطة: هبة شركس
قول الدكتورة هبة شركس، استشارية أسرية، وخبيرة تربوية، مدرب معتمد، وعضو هيئة تدريس بالأكاديمية الأميركية للعلوم والتنمية إن «حاسة السمع تنشط قبل غيرها من الحواس، وفق ما أكدته دراسات أظهرت أن الجنين يسمع، وهو مازال في رحم أمه، كما قدم الله سبحانه وتعالى السمع على بقية وسائل الإدراك في قوله تعالى «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» النحل: 78، مشيراً إلى أن «السمع هو أول وسائل إدراك العالم من حولنا، وهو بداية النمو والتطور اللغوي الذي يبدأ بمهارات الاستماع لينتهي عند المهارات التعبيرية وما يقع بين المهارتين من استيعاب وعمليات عقلية وإبداعية». محاكاة وتقليد تضيف شركس: «يعمل الطفل في سنواته الأولى عمل الكاميرا، حيث يرصد الأحداث من حوله ويخزنها ليعود ويعرضها في وقت لاحق، وهذا ما يسمى بالمحاكاة أو التقليد، ويعتمد النمو اللغوي على المحاكاة والتقليد في سنوات الطفل الأولى ما يساعد على التوسع اللغوي للطفل». وتضيف أنه من شأن إنصات الأطفال إلى حوارات الكبار أن يثري مفردات الطفل، ويحدث تضخماً في قاموسه الخاص، ليس فقط على مستوى المفردات، ولكن على مستوى تكوين الهياكل التعبيرية، والجمل الكاملة، وأيضاً إدارة الحوار، ومن ثم يتعدى هذا كله ليصل إلى نمط التفكير المصاحب لهذا الحوار كأن يكون متعاطفاً أو ناقداً، محللاً أو تلقائياً. فعندما يعتاد الطفل أن يستمع حديث الكبار يظهرون تعاطفاً مع الآخر يكتسب نمطاً تعاطفياً، أما إذا اتسم حديث الكبار بالنقد، فإن الطفل يكون ناقداً في حواراته». وتشير شركس إلى أنه مع نمو الطفل يتعدى التصوير إلى المونتاج، فيضيف ويحذف من الأحداث وفق خياله وقدرته على الفهم والإدراك. فلا يستطيع الطفل فهم كل ما يدور حوله من حوارات، ما يجعله يعمل عقله وخياله ليكمل الحبكة الدرامية للأحداث والحوارات من حوله ويجعلها متوافقة مع عالمه الخاص، ويشبع فضوله وحبه للاستطلاع. فضول الصغار تقول شركس إنه على الكبار مراعاة معية الطفل، وعدم التحدث أمامه في موضوعات لا يفهمها أو تثير مخاوفه، وعليهم الحذر من استغلال الأطفال بدافع الفضول وحب الاستطلاع ليسألوا عن أسرار البيت ما يجعل الطفل معتاداً على نقل الأخبار وكشف الأسرار، وأحياناً يعمد الطفل إلى هذا السلوك، بشكل تلقائي أو للفت الانتباه إليه. وفي هذه الحالة، تقول شركس، يجب على المربي التعامل مع الموقف بحكمه وغرس القيم في ابنه بأن يعلمه بهدوء ودون تعنيف أو توبيخ دوائر الخصوصية ابتداءً من دائرة الحرية الشخصية إلى الأسرية فالعائلية ثم الاجتماعية، ويعرفه أمانة المجالس وآداب الحديث والحوار. ويشرح له حسب سنه خطورة كشف الأسرار ونقل الأحاديث. وتضيف: «كما يجب على الكبار مراعاة نفسية الطفل الهشة وإبعاده عن المجالس التي يثار فيها ما يثير مخاوفه أو يهدد إحساسه بالأمان مثل الخلافات الأسرية، على أن يكون الإبعاد بلطف وتوفير نشاط بديل يشغله، وأحياناً لا نجد بداً من تأجيل بعض الأحاديث والحوارات مراعاة لمشاعر الأطفال ومصالحهم»، مشددة على ضرورة احترام معية الطفل، والوعي بالآثار النفسية والاجتماعية التي تخلفها أحاديث الكبار في نفوس الأطفال، والمفارقات والمشكلات التي قد تنتج من تجاهل وجود الطفل أو اعتباره غارقاً في عالمه الخاص غير مبالٍ ولا مدركٍ لما يدور حوله من حوارات. وتتابع: «ليمكننا الاستفادة من ظاهرة إنصات الأطفال، في توجيه رسائل تربوية غير مباشرة للطفل وفي تعزيز نموه اللغوي وتعليمه آداب الحوار، ومتى يمكنه الدخول في الحديث ومتى يكتفى بالاستماع». رياض السنة تقول شركس: «لنا في مجالس الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- قدوة حسنة، حيث يروى أنه حينما كان عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فتى صغيراً، جلس في مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يضم عدداً من كبار الصحابة، رضوان الله عليهم، كان بعض الحاضرين في سن أبيه أو أكبر، بل إن أباه وأبا بكر رضي الله عنهما، كانا من بين الحاضرين. وبينما هم جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ?أصحابه قائلاً (أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم، تؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها، ?ولا تحُتّ ورقها). أي لا تسقط ورقها. كان عبدالله بن عمر، هو الوحيد الذي اهتدى ?إلى الإجابة، أدرك رغم صغر سنه، أن تلك الشجرة هي النخلة، ولكنه نظر إلى ?أبيه فوجده صامتاً. ثم نظر إلى أبي بكر رضى الله عنه، فوجده صامتاً، فأحجم عن?الكلام، صمت ولم يتكلم؛ لأنه رأى الجميع صامتين، فلما سكت الجميع. قال رسول الله-رضي الله عنه- (هي النخلة)?عاتبر عمر رضي الله عنه ابنه فيما بعد، بسبب سكوته رغم معرفته للإجابة? قال لابنه: لو كنت قلتها، كان أحبٌّ إليَّ من كذا وكذا، أي أن ذلك كان ?سيـُدْخِل كثيراً من السرور على نفسه». وتعلق شركس: «هنا يتضح لنا كيف أن مجلس الرسول الكريم لم يكن ليخلو من الصبية الصغار، كما توضح الواقعة كيف استغل عمر بن الخطاب الموقف ليعلم ابنه متى يتحدث ومتى يصمت».
المصدر: أبوظبي