الخوف أبو المشاعر
لماذا يُقال إن الخوف أبو المشاعر؟
لأن الخوف هو أول باب ندخله حين تبدأ مشاعرنا بالتكوُّن.
هو أول ما نشعر به حين نخرج إلى الحياة…
وأبسط ما يمكن أن نحس به، وأقواه في الوقت ذاته.
إنه ليس شعورًا عابرًا، بل حارسٌ شخصيّ يسكن داخلنا، مهمته الأساسية أن يبقينا في مأمن.
حين تقترب النار، يدفعك للخوف… فتبتعد.
وحين تقترب من خسارة علاقة، أو مكانة، أو معنى… يهمس في داخلك: "احذر!"
لكن الخوف لا يحمي فقط…
أحيانًا يُبالغ في الحماية.
فيُغلق الأبواب، ويعطّل الرحلة، ويحبسك في سجن لا ترى قضبانه.
فما بين الحماية والمبالغة،
يبقى الخوف سيد الساحة… بل وأباها.
الخوف ليس شعورًا واحدًا… بل يتخفّى خلف مشاعر كثيرة
ربما تظن أنك غاضب، أو حزين، أو غيور، أو حتى فرِح…
لكنك إن تأملت قليلًا، ربما تجد الخوف يقف وراء الستار:
تغضب؟ ربما لأنك تخشى أن تُهدر كرامتك.
تحزن؟ ربما لأنك تخشى أن تفقد ما تحب.
تغار؟ قد يكون خوفًا من أن تُستبدل، أو أن لا تكون كافيًا.
تفرح؟ وقد يختبئ خلف فرحك خوفٌ خفيّ: "ماذا لو زال هذا الفرح فجأة؟"
الخوف لا يأتي دائمًا كضجيج أو نوبة هلع،
بل كثيرًا ما يأتيك متنكرًا في هيئة شعور آخر.
الخوف… الحارس الذي لا ينام
في العمق، كل إنسان يحتاج إلى شيء واحد أكثر من أي شيء آخر:
الأمان.
والخوف هو الجندي المُكلَّف بحراسة هذا الأمان.
يراقب علاقاتك، قراراتك، طموحاتك، وحتى ضحكاتك…
ويحذّرك كلما رأى خطرًا قادمًا.
ولكنه في كثير من الأحيان، يتحوّل من حارس أمين… إلى سجّان.
يحرمك من الحب الحقيقي خشية الهجر.
يمنعك من التجربة خشية الفشل.
يبقيك في علاقات مؤذية خشية الوحدة.
يُجبرك على التمثيل، على الكتمان، على إخفاء حقيقتك… فقط لتظل "آمنًا".
وهنا يظهر الفارق الكبير:
هل الخوف مظلّة تفتحها وقت المطر، ثم تطويها عندما تشرق الشمس؟
أم أصبح هو المظلة التي تحجب عنك النور طوال الوقت؟
تخيّل المشاعر قصرًا… والخوف بوّابه الأول
تخيّل أن داخل كل إنسان قصرًا فسيحًا من المشاعر:
فيه غرف للحزن، وأخرى للفرح، وأبواب للحب، ونوافذ للغيرة، وممرات للأمل.
لكن هذا القصر لا يُفتح لأي زائر.
على بابه يقف "الخوف"… كحارس قديم، لا يسمح بالدخول إلا لمن يرى أنهم لا يشكّلون خطرًا.
وفي كثير من الأحيان، يمنعك من دخول القصر نفسه.
يُغلق عليك الباب، فتظل واقفًا في الممر، تطرق أبوابًا لا تُفتح، وتتساءل: لماذا لا أشعر كما كنت؟ لماذا أنا عالق؟
ماذا نفعل بهذا الحارس؟
الخوف لا يُقتل، ولا يُنفى.
بل يُفهم.
الخطوة الأولى دائمًا أن نسأله: "ماذا تحاول أن تحميني منه؟"
ثم ننظر في الإجابة. هل هي حقيقية؟ أم مجرد ظلّ لخبرة قديمة؟
في العلاج النفسي، خصوصًا في علاج القبول والالتزام (ACT) والتحليل النفسي، لا يُطلب من الشخص أن يُنكر خوفه، بل أن يصادقه، أن يسمع صوته دون أن يخضع له بالكامل.
أن يعترف به، لا أن يستسلم له.
أن يميّز بين خوف حقيقي يحتاج إلى استعداد، وخوف وهميّ يمنعه من التقدُّم.
الخاتمة: لا تنكر خوفك… افهمه
الخوف ليس ضعفًا.
بل دليل حيّ على أنك إنسان حساس، تهمّه حياته، ويُقدّر المعنى، ويخشى الألم.
لكنه لا يصلح أن يكون قائدًا طوال الطريق.
استعن به في البداية، لكن لا تجعله يرسم لك النهاية.
إنه الأب الذي أنجب المشاعر كلها، لكنه لا يريدك أن تعيش في حضنه إلى الأبد… بل أن تنمو، وتغادر، وتمضي.