التلاعب النفسي… حين تشعر أنك المخطئ دائمًا
هل حدث أن خرجت من نقاشٍ ما وأنت تشعر بالارتباك؟
هل راودك شكٌّ في نفسك رغم يقينك بأنك لم تُخطئ؟
هل سمعت عبارات مثل: "أنت تبالغ، هذا لم يحدث!" أو "يمكنك أن تراجع ذاكرتك!"؟
إن حدث ذلك، فربما تكون قد تعرّضت لما يُعرف بـالتلاعب النفسي، أو تحديدًا: جازلايتنج (Gaslighting).
التلاعب لا يأتيك في صورة مواجهة مباشرة، بل يتسلّل في هدوء، ويزرع في داخلك شعورًا بأنك المخطئ… حتى تصدّقه.
ما هو التلاعب النفسي؟
هو استخدام أحدهم أساليب خفيّة للتأثير عليك والسيطرة على قراراتك ومشاعرك، دون أن يكون ذلك ظاهرًا أو واضحًا.
غالبًا ما يرتدي التلاعب قناع الاهتمام أو المحبة، لكنه في الحقيقة يسلبك ثقتك بنفسك.
قد يأخذ أشكالًا عديدة، مثل:
- التشكيك في واقعك (جازلايتنج).
- الانسحاب المؤذي بلا تفسير (جوستنج – Ghosting).
- توجيه اللوم بلغة ناعمة.
- التهديد الصامت، أو الابتزاز العاطفي.
أمثلة من الواقع:
في العلاقات الزوجية:
حين تعبّر عن مشاعرك، يقال لك: "أنت حساس جدًا، لا يوجد ما يستدعي كل هذا."
أو عندما يُخطئ، ثم يبرر قائلاً: "كنت تحت ضغط، سامحيني."
أو يُهدّد بالرحيل بطريقة متكرّرة: "أعتقد أننا لا نناسب بعضنا."
في بيئة العمل:
يقول لك المدير: "أراك تملك طاقة… لكنها غير ناضجة بعد."
أو يُحمّلك أعباء إضافية ويصفها بأنها فرصة لإثبات الذات، دون تقدير أو مقابل.
أو يجعلك تشعر أن أي تقصير يعني فشلًا تامًا، رغم جهودك المستمرة.
في الصداقات والعلاقات الاجتماعية:
عند طلبك للتوضيح، يختفي الطرف الآخر فجأة (جوستنج).
أو يظهر اهتمامًا مفاجئًا ثم ينسحب، ليبقيك في حالة توتر وانتظار.
أو يجعلك تعتذر عن أمور لم ترتكبها… وتشكّ في نفسك باستمرار.
لماذا نقع ضحايا للتلاعب؟
لأننا نحتاج أن نُبقي بعض الأشخاص في حياتنا، أو لأننا اعتدنا منذ الطفولة أن نرضي الآخرين ونقدّم أنفسنا في المرتبة الثانية.
أحيانًا يكون السبب هو خوفنا من الفقد، وأحيانًا ضعف الحدود النفسية التي لم نعتد على رسمها.
كيف أعرف أنني أتعرض للتلاعب؟
اسأل نفسك بصدق:
- هل أشعر بالذنب كثيرًا دون سبب واضح؟
- هل أثق بإحساسي… أم أشك فيه باستمرار؟
- هل أخاف من ردة فعل الطرف الآخر إذا عبّرت عن رأيي؟
- هل أخرج من كل تواصل معه مرتاحًا… أم مشوّشًا ومستنزفًا؟
إن كانت الإجابة نعم على أغلب الأسئلة… فتوقّف. وابدأ الملاحظة.
كيف أفك التلاعب وأسترجع نفسي؟
1. صدّق إحساسك. لا تُهمّش مشاعرك.
2. راقب النمط. التلاعب ليس لحظة واحدة، بل تكرار مقصود.
3. دوّن ما يحدث. فالكتابة تكشف ما يخفيه الضجيج.
4. ارسم حدودك. لا تُجامل على حساب نفسك.
5. اطلب الدعم. من صديق واعٍ، أو مختص تثق به.
أخيرًا…
التلاعب النفسي لا يحدث لأنك ضعيف… بل لأنك حساس، نقي، وطيب القلب.
لكنك لست مضطرًا أن تدفع هذا الثمن.
احمِ نفسك، صدّق حدسك، واستعد احترامك لذاتك.