بين الأصالة و الحداثة
بين الأصالة والحداثة .. خزانة الحاج أحمد
لو نطقت خزانة ملابس الحاج أحمد لسمعنا منها العجب…. فعلى الرغم من رقة حالها وطول عمرها إلا أنها تقف شامخة فى الغرفة الوسطى من منزله القديم
عندما يغلق الحاج أحمد باب غرفته وينفرد بخزانته لدقائق معدودات يطلعنا بعدها بمظهر أنيق ، فهو عاشق للأناقة …. فحينا يرتدى بدله من أشهر الماركات العالمية تتسم بالوجاهه والملائمة لأحدث صيحات الموضة العالمية، ويربط حول عنقه رابطة عنق أنيقة ذات ذوق رفيع، يطل علينا بقوامه الممشوق وملامحه القوية الجذابة مرددا عبارته الشهيرة…”أنا بيه كبير قوي"
.والبيه أو البيك هو لقب تركى يرجع لعصر الإمبراطورية العثمانية يُستخدم للتفخيم والتبجيل ، يمنحه السلطان لخاصة الشعب وعلية القوم ، تم وقف الألقاب فى مصر منذ زمن ولكنها استمرت للتفخيم والتبجيل أو احيانا للتملق ، والحاج أحمد منح نفسه لقب البهويه وتغنى به كثيرا
.وأحيانا أخرى يختلى الحاج أحمد بخزانته ليطالعنا بجلابية الفلاح المصري ذات الأكمام الواسعة و التى تستوحى تفاصيلها من حياة الريف المصرى، وهى مقسمة إلى البدن الأمامى والبدن الخلفى والأجناب ، ولها قصَة خاصة فى منطقة تحت الإبط تسمى الأشاتيك
ينتقى الحاج أحمد جلبابه بعناية فائقة ، فيتميز بالأناقة والشغل اليدوى المتقن على الياقة وفتحة الصدر التى تمتد 30 سم فوق الصدر ، يُستخدم فيها القيطان والشريط فى ثلاث طبقات من القيطان الباروتى الممتاز ، يظهر من تحته الصديرى البلدى المصنوع من الدوبلان الفاخر الذى يمنح الجلابية مظهرا فريداو ويمنح لابسها الهيبة والوقار
.يطالعنا الحاج أحمد بجلبابه البلدى الأنيق المصنوع من الصوف الانجليزى أو الجوخ الإيرانى الفاخر وكأنه أحد السلاطين أو الأمراء فيذكرنا بقصيدة أحمد فؤاد نجم والذى اتخذ فيها الجلابية رمزا للوطن
.يرتدى الحاج أحمد جلبابه ويتجه إلى الريف حيث مسقط رأسه غير عابئ بمشقة السفر يدفعه شوق وحنين دفين للأرض والأهل ، وتجذبه رائحة الريف فيشعر بالنشوة وتملأ قلبه السعادة
ومرات يختلى الحاج أحمد بخزانته فيخرج علينا مرتديا البدلة الصيفى … وهى بدلة من قطعتان بلون واحد و أكمام قصيرة ، إنه زى عملى يرتديه الحاج أحمد كثيرا فى زيارته المتكررة لأبنائه وبناته وأحفاده ، كما يفضل ارتدائه عند الخروج لقضاء بعض المهام والأعمال الروتينية، يبدو أن عمل الحاج أحمد بإحدى المصالح الحكوميه جعل من البدلة الصيفى خيارا مفضلا لديه ، تشعره بالحرية والراحة
.فى أوقات الصلاة والأعياد يظهر الحاج أحمد مرتديا جلابية وارد الخليج ، بتفصيلات عدة وألوان مختلفة ، فله أبناء وأقارب يعملون بالخليج ويدركون حبه للأناقة والتمييز ، كما أنه زار الحجاز عدة مرات واقتنى من هناك ما راق له من سبح وجلاليب
لم يرتدى الحاج أحمد الجينز لأنه لم يلامس شيئا داخله ، فملابسه كانت تحرر ميول داخلية ، وتطلق العنان لشخصيات قابعة فى أعماقه فتدعوها للظهور، كانت ملابسه تستبغ بشخصيته ولا يستبغ هو بألوانها وأشكالها ، لم يكن يلبس إلا ما يناسبه فيبدو تلقائيا غير متكلف ، متجدد ذو حضور وتأثير
.إن الحاج أحمد شخصية قوية صاحب كاريزما ، ريفى المنشأ أصيل ، يحترم التقاليد ويسعى لخدمة من حوله ، مرح محب للأطفال فالطفل بداخله ظل يقظا طوال الوقت، وهو ما ساعده على الاستمتاع بحياته ، ومنحه حيوية خاصة ممزوجة بتلقائية نادرة
احتفظ الحاج أحمد بهويته الخاصة طوال الوقت ، وامتزجت خبراته الحياتية بتلك الهوية وذابت بداخلها فمنحته مذاقات متعددة لشخصية واحدة ، شخصية جمعت المتناقدات فى تناغم قل ما يكون له مثيل ، شخصية ظلت متماسكة حتى الرمق الأخير رحم الله الحاج أحمد وأسكنه فسيح جناته
كم اشتاق لطلتك البهية
بالبدلة أو الجلابية
فلك فى القلب مكانا عليا